فصل: فَصْلٌ فِي (التَّعْزِيرِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي (التَّعْزِيرِ):

قَالَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ هُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ، وَفِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ التَّأْدِيبِ وَقَوْلُهُ دُونَ الْحَدِّ مِنْ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ أَيْ: أَدْنَى مِنْ الْحَدِّ فِي الْقَدْرِ وَقُوَّةِ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ شَرْعًا لَا يَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِفَرْكِ الْأُذُنِ وَبِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ وَبِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَشَتْمٍ غَيْرِ الْقَذْفِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَا يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْجَانِي فِي الْمُذْهَبِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت عَنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ، أَوْ الْوَالِي جَازَ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الْأَخْذِ وَأَرَى أَنْ يُؤْخَذَ فَيُمْسَكَ مُدَّةً لِلزَّجْرِ ثُمَّ يُعِيدُهُ لَا أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ آيَسَ مِنْ تَوْبَتِهِ يُصْرَفُ إلَى مَا يَرَى.
وَفِي النِّهَايَةِ التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ، وَالْعُلْوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ، وَالدَّهَاقِينِ بِالْإِعْلَامِ، وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقِيَّةُ بِالْجَرِّ، وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرُ الْأَرَازِلِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ انْتَهَى.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْزِيرُ بِغَيْرِ الْمُنَاسِبِ الْمُسْتَحَقِّ لَكِنْ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَتُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ كَمَنْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِصِيَاحٍ وَضَرْبٍ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَاوِعَةً قَتَلَهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ يَزْنِي بِهَا، أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ بِأَدْنَى شَيْءٍ قِيمَةً وَيُقَيِّمُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ وَبَعْدَهَا لَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ حَتَّى لَوْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحْتَسِبِ فَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُعَزِّرَ الْمُعَزِّرَ.
(يُعَزَّرُ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا) عَبْدًا، أَوْ أَمَةً (أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَاءِ)، وَلَوْ صَرِيحًا مِثْلَ يَا زَانِي وَهُوَ لَيْسَ بِزَانٍ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ الْحَدُّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ؛ وَلِهَذَا يَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ.
(أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا) صَالِحًا (بِيَا فَاسِقُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ فَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَاذِفُ إثْبَاتَ الْفِسْقِ مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا تُسْمَعُ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا لَا يَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي تُفْرَضُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (يَا كَافِرُ)، أَوْ يَا يَهُودِيُّ وَأَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُكَفَّرُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمُخَاطَبَ كَافِرًا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ كُفْرًا.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ انْتَهَى.
لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ تَأَمَّلْ.
(يَا خَبِيثُ) ضِدُّ الطَّيِّبِ (يَا لِصُّ) يَا سَارِقُ (يَا فَاجِرُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا، أَوْ فَاجِرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ) قِيلَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُحَدُّ عِنْدَهُمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ، وَفِي الْبَحْرِ، أَوْ هَزْلُ مَنْ تَعَوَّدَ الْهَزْلَ، وَالْقَبِيحَ (يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ)، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ (يَا دَيُّوثُ) أَيْ: الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ (يَا مُخَنَّثُ) هُوَ الَّذِي فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ خُنُوثَةٌ أَيْ: لِينٌ وَاَلَّذِي يَفْعَلُ الْفِعْلَ الرَّدِيَّ (يَا خَائِنُ) مِنْ الْخِيَانَةِ (يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ) وَفِي الْإِصْلَاحِ لَا يُقَالُ الْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا وَتَأْنَفُ مِنْهُ، وَالْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ لِإِتْيَانِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِنَّ الزِّنَى بِالْأُجْرَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ الزِّنَى صَرِيحٌ فِي ابْنِ الزَّانِيَةِ بِخِلَافِ فِي ابْنِ الْقَحْبَةِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يُحَدَّ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ يُعَزَّرُ بِخِلَافِ يَا روسبى فَإِنَّهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعُرْفِ بِالزِّنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا قَحْبَةُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّانِيَةِ لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ التَّصْرِيحُ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ تَأَمَّلْ.
(يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ) فَإِنَّهَا مَنْ تُبَاشِرُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الزَّانِيَةِ فَكَذَا يُعَزَّرُ بِطَلَبِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ، وَالنَّصْرَانِيُّ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (يَا زِنْدِيقُ)، وَهُوَ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ (يَا قَرْطَبَانٌ)، وَهُوَ مُعَرَّبُ قَلْتَبَانٍ.
وَفِي التَّبْيِينِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا؛ وَلِذَا كَانَ أَفْحَشَ مِنْ الدَّيُّوثِ وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ، أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ، أَوْ يَأْذَنُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ (يَا مَأْوَى الزَّوَانِي، أَوْ) يَا مَأْوَى (اللُّصُوصِ، أَوْ يَا حَرَامْ زَادَهْ) وَمَعْنَاهُ الْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الزِّنَاءِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْعُرْفِ لَا يُرَادُ إلَّا وَلَدُ الزِّنَاءِ وَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ الْخَبِيثُ اللَّئِيمُ؛ فَلِهَذَا لَا يُحَدُّ بِهِ انْتَهَى.
لَكِنْ فِي عُرْفِنَا يُرَادُ بِهِ رَجُلٌ يُعَلِّمُ الْحِيَلَ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ تَدَبَّرْ.
وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ يَا سَفِيهُ يَا أَحْمَقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ آذَى مُسْلِمًا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ؛ فَلِهَذَا يُعَزَّرُ كُلُّ مُرْتَكِبِ مُنْكَرٍ، أَوْ مُؤْذِي مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (لَا) يُعَزَّرُ (بِيَا حِمَارُ يَا كَلْبُ يَا قِرْدُ يَا تَيْسُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ) يَا ذِئْبُ (يَا حَجَّامُ يَا ابْنَ حَجَّامٍ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ حَجَّامًا فَعَدَمُ التَّعْزِيرِ بِالْأَوْلَى (يَا بَغَّاءُ) بِالتَّشْدِيدِ قِيلَ هَذَا مِنْ شَتْمِ الْعَوَامّ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ انْتَهَى.
وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِذَكَرِ الْبَقَرِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَاطِئِ الَّذِي لِشِدَّةِ شَبَقِهِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ وَلَا بَيْنَ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَوْلَى: مِسْكِينٌ الْبَغَّاءُ الَّذِي يَعْلَمُ بِفُجُورِهَا وَيَرْضَى فَبِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ تَأَمَّلْ.
(يَا مُؤَاجِرُ) فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ الْمُتَعَارَفَ بَلْ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ (يَا وَلَدَ الْحَرَامِ) وَفِي الْبَحْرِ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَا حَرَامْ زَادَهْ وَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ تَدَبَّرْ.
(يَا عَيَّارُ)، وَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِغَيْرِ عَمَلٍ (يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ) عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ قَالَ أَخِي جلبي ناكس لَفْظٌ عَجَمِيٌّ، وَالنُّونُ فِي أَوَّلِهِ لِلنَّفْيِ، وَالْكَافُ مِنْهُ مَفْتُوحٌ وَ (كَسَّ) بِمَعْنَى الْآدَمِيِّ (يَا سُخْرَةُ يَا ضُحْكَةُ) بِوَزْنِ الصُّفْرَةِ مَنْ يَضْحَكُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَبِوَزْنِ الْهُمَزَةِ مَنْ يَضْحَكُ عَلَى النَّاسِ (يَا كَشْحَانِ) قِيلَ الْكَاشِحُ الْمُتَبَاعِدُ عَنْ مَوَدَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ كَشَحَ الْقَوْمُ إذَا ذَهَبُوا عَنْهُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَقِيلَ الَّذِي سَمِعَ رَجُلًا يَمُدُّ يَدَهُ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَا يُبَالِي فَعَلَى هَذَا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ، وَالدَّيُّوثِ فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ (يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوِسُ) وَنَحْوُهُ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ نَسَبَهُ إلَى فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ وَيُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ يَجِبُ التَّعْزِيرُ وَإِلَّا لَا فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ النِّسْبَةُ إلَى الْأُمُورِ الْخُلُقِيَّةِ فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا حِمَارُ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ كَالْبَلِيدِ، وَهُوَ أَمْرٌ خُلُقِيٌّ وَبِالْقَيْدِ الثَّانِي النِّسْبَةُ إلَى مَا لَا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ فَلَا يُعَزَّرُ، وَفِي يَا حَجَّامُ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ وَبِالْقَيْدِ الثَّالِثِ النِّسْبَةُ إلَى مَا لَا يُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا لَاعِبَ النَّرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ وَحَكَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي زَمَانِنَا فِي مِثْلِ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ فِي عُرْفِنَا لَكِنْ الْأَصَحُّ لَا يُعَزَّرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَنْسُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ يُعَزَّرُ وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ فَلِهَذَا قَالَ (وَاسْتَحْسَنُوا تَعْزِيرَهُ) فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا (إذَا كَانَ الْمَقُولُ لَهُ فَقِيهًا) أَيْ: عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ فَلَوْ قَالَ بِطَرِيقِ الْحَقَارَةِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّ إهَانَةَ الْعِلْمِ كُفْرٌ عَلَى الْمُخْتَارِ (أَوْ عَلَوِيًّا) أَيْ: مَنْسُوبًا إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ كُلُّ مُتَّقٍ وَإِلَّا فَالتَّخْصِيصُ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
(وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ) إذَا أَرَادَهَا الزَّوْجُ وَكَانَتْ قَادِرَةً عَلَيْهَا (وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ) وَلَمْ تَكُنْ حَائِضًا، أَوْ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا (وَتَرْكِ الصَّلَاةِ) كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ لَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ إلَيْهِ بَلْ إلَيْهَا لَكِنْ الْأَبُ يُعَزِّرُ الِابْنَ لِتَرْكِهَا (وَتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ)؛ لِأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ (وَلِلْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا قَبَضَتْ مَهْرَهَا، أَوْ وَهَبَتْهُ مِنْهُ (وَأَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثَةُ أَسْوَاطٍ)؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا أَنْ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.
(وَأَكْثَرُهُ) أَيْ: التَّعْزِيرِ (تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ) سَوْطًا؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْحَدِّ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ، وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ، وَالشُّرْبِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَوْلَى مِسْكِينٍ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ قِيلَ مَعَ الْإِمَامِ وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ) سَوْطًا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَبْلُغُ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُمْ الْأُصُولُ، وَهُوَ ثَمَانُونَ وَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا وَعَنْهُ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَعْزِيرَ مِائَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِالْأَثَرِ، وَإِنْ ضَرَبَ أَكْثَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنَّ لَهُ ذُنُوبًا كَثِيرَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ فَوْقَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ الزِّنَاءِ وَغَيْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا عَمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَضَرَبَ مِائَةً، أَوْ أَكْثَرَ لِلذَّنْبِ مُطْلَقًا فَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ عَصَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ عَنْ الزَّلَلِ.
(وَيَجُوزُ حَبْسُهُ) أَيْ: حَبْسُ مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (بَعْدَ الضَّرْبِ)؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ التَّعْزِيرِ فَلَهُ ضَمُّهُ مَعَهُ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ)؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ خَفِيفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى فَوْتِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَاخْتُلِفَ فِي شِدَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الشِّدَّةُ هُوَ الْجَمْعُ فَيَجْتَمِعُ الْأَسْوَاطُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَلْ فِي شِدَّتِهِ فِي الضَّرْبِ لَا فِي الْجَمْعِ هَذَا فِيمَا إذَا عَزَّرَ بِمَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ أَشَدِّ الضَّرْبِ فَوْقَ ثَمَانِينَ حُكْمًا فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ مَعَ تَنْقِيصِ وَاحِدٍ مَعَ الْأَشَدِّيَّةِ فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَقَصَ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَى)؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ وَحُرْمَتَهُ آكَدُ (ثُمَّ) حَدُّ (الشُّرْبِ) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ يَقِينِيَّةٌ (ثُمَّ) حَدُّ (الْقَذْفِ)؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَتَقَادَمُ وَجَازَ عَفْوُهُ.
(وَمَنْ حُدَّ، أَوْ عُزِّرَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ مَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ، أَوْ عَزَّرَهُ (فَمَاتَ) مِنْ ذَلِكَ (فَدَمُهُ هَدَرٌ)؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ الشَّرْعِ.
فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(بِخِلَافِ تَعْزِيرِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ) فَإِنَّهَا لَوْ مَاتَتْ مِنْ ضَرْبِهَا لَا يُهْدَرُ دَمُهَا، بَلْ يُضْمَنُ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُبَاحٌ تَرْجِعُ مَنْفَعَتُهُ إلَيْهِ لَا إلَيْهَا فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا لَوْ أَدَّبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ فَمَاتَ يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ، وَالْمُعَلِّمُ فِي التَّعْزِيرِ وَلَا الْأَبُ فِي التَّأْدِيبِ وَلَا الْجَدُّ وَلَا الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا وَإِلَّا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ.

.كِتَابُ السَّرِقَةِ:

لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الزَّوَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ النُّفُوسِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا وَاتِّصَالًا بِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَزْجَرَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَأَخَّرَهَا لِكَوْنِ النَّفْسِ أَصْلًا، وَالْمَالِ تَابِعًا (هِيَ) أَيْ السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
وَفِي الشَّرْعِيَّةِ هِيَ نَوْعَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا يَكُونُ ضَرَرُهَا بِذِي الْمَالِ، أَوْ بِهِ وَبِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى، وَالثَّانِي بِالْكُبْرَى بَيَّنَ حُكْمَهَا فِي الْآخِرِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ وُقُوعًا وَاشْتِرَاكًا فِي التَّعْرِيفِ وَأَكْثَرُ الشُّرُوطِ فَعَرَّفَهُمَا فَقَالَ (أَخْذُ مُكَلَّفٍ) بِطَرِيقِ الظُّلْمِ فَلَا يُقْطَعُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ وَلَا غَيْرُهُمَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ الْغَيْرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ الْغَيْرُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (خُفْيَةً) شُرِطَ فِي السَّرِقَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذَا كَانَ الْأَخْذُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ وَابْتِدَاءً إذَا كَانَ لَيْلًا كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ سِرًّا وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ جَهْرًا؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخُفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَعْلَمُ قُطِعَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ لَا؛ لِأَنَّهُ جَهَرَ، وَلَوْ دَخَلَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، وَالْعَتَمَةِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ وَيَجِيئُونَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهَارِ (قَدْرَ) وَزْنَ (عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ يَوْمَ السَّرِقَةِ، وَالْقَطْعِ فَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ، وَلَوْ أَقَلَّ لَا وَلَا يُقْطَعُ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ مِثْقَالًا تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ الْحِرْزِ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ وَكَمَّلَ لَمْ يُقْطَعْ (مَضْرُوبَةً) فَلَوْ أَخَذَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ فَيُقَوَّمُ بِأَعَزِّ النُّقُودِ، أَوْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي يَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ، فَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَلَا يَقْطَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِتَقْوِيمٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَعْضٍ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ (مِنْ حِرْزٍ) أَيْ مَمْنُوعٍ عَنْ وُصُولِ يَدِ الْغَيْرِ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَجْعُولُ فِي الْحِرْزِ أَيْ: الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ فَلَا يُقْطَعُ فِي غَيْرِهِ (لَا مِلْكَ لَهُ) أَيْ لِلسَّارِقِ (فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْرُوقِ (وَلَا شُبْهَةَ) مِلْكٍ فَلَا يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَوْ تَأْوِيلٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ السَّارِقِ لَيْسَ بِأَخْرَسَ وَلَا أَعْمَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ ادَّعَى شُبْهَةً، وَالْأَعْمَى جَاهِلٌ بِمَالِ غَيْرِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي دَارِ الْعَدْلِ فَلَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ الْبَغْيِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ إلَى النِّصَابِ الْمَأْخُوذِ فَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ مَضْرُوبَةٌ لَمْ يُقْطَعْ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ عَادَةً وَإِلَّا يُقْطَعُ كَسَرِقَةِ كِيسٍ فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا يَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَتَغَوَّطَهُ، بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِتَامٍّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ نَاطِقٍ بَصِيرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادًا وَمِقْدَارُهَا مَقْصُودَةً ظَاهِرَةُ الْإِخْرَاجِ خُفْيَةً مِنْ صَاحِبِ يَدٍ صَحِيحَةٍ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فِي دَارِ الْعَدْلِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ وَلَا تَأْوِيلَ فِيهِ تَأَمَّلْ.

.بما يَثْبُتُ حد السَّرِقَةُ:

(وَتَثْبُتُ) السَّرِقَةُ (بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الشُّرْبُ) أَيْ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَبِالْإِقْرَارِ لَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (فَإِنْ سَرَقَ مُكَلَّفٌ حُرٌّ، أَوْ عَبْدٌ) وَهُمَا فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ؛ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَنْتَصِفُ فَكُمِّلَ وَلَمْ يَنْدَرِئْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ (ذَلِكَ الْقَدْرُ) أَيْ: قَدْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْرَزًا بِمَكَانٍ) أَيْ: بِسَبَبِ مَوْضِعٍ مُعَدٍّ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ كَالدُّورِ، وَالدَّكَاكِينِ، وَالْخِيَامِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ حَتَّى لَا يُقْطَعَ بِأَخْذِ لُؤْلُؤٍ مِنْ إسْطَبْلٍ بِخِلَافِ أَخْذِ الدَّابَّةِ (أَوْ حَافِظٍ) كَالْجَالِسِ عِنْدَ مَالِهِ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ تَحْتِ رَأْسِ النَّائِمِ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ يُقْطَعُ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَأَقَرَّ) السَّارِقُ (بِهَا) أَيْ: بِالسَّرِقَةِ طَائِعًا وَفَلْو أَقَرَّ مُكْرَهًا كَانَ بَاطِلًا وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَيَحِلُّ ضَرْبُهُ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَوَرٌ، وَفِي الْمِنَحِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ الْمُنَاسِبِ لِلتُّهْمَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَضْرِبُهُ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضْرِبُهُ الْوَالِي فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَضْرِبُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ يُحْبَسُ حَتَّى يُكْشَفَ أَمْرُهُ قِيلَ الْحَبْسُ شَهْرًا وَقِيلَ يُحْبَسُ مُدَّةَ اجْتِهَادِ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَرَّةً عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ مَرَّتَيْنِ (أَوْ شَهِدَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (عَلَيْهِ رَجُلَانِ) أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا فَحَذْفُهُ أَوْلَى لِلِاخْتِصَارِ كَمَا قِيلَ لَكِنْ الْمُصَنِّفُ صَرَّحَهُ؛ لِأَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ (وَسَأَلَهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (الْإِمَامُ) أَوْ الْقَاضِي (عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ) أَيْ: السَّرِقَةُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ الْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ الْكُبْرَى (وَكَيْفَ هِيَ) لِجَوَازِ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الدَّارِ وَأَخْرَجَ، أَوْ تَأَوَّلَهُ آخَرُ مِنْ خَارِجٍ (وَأَيْنَ هِيَ) لِجَوَازِ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ الْبَغْيِ وَمَتَى هِيَ لِجَوَازِ أَنَّهَا مُتَقَادِمٌ أَمْ لَا (وَكَمْ هِيَ)، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى السَّرِقَةِ، وَالْمُرَادُ الْمَسْرُوقُ فَيَسْأَلُ الْإِمَامُ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَا.
(وَمِمَّنْ سَرَقَ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ حَاضِرٌ، وَالشُّهُودُ تَشْهَدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَيَكُونَ الْمُدَّعِي غَيْرَهُ تَأَمَّلْ.
(وَبَيَّنَاهَا) أَيْ: بَيَّنَ الشَّاهِدَانِ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا (قُطِعَ) جَوَابُ أَنْ أَيْ: قُطِعَ السَّارِقُ يَدُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُقِرًّا، أَوْ غَيْرَهُ جَزَاءً لِكَسْبِهِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقَطْعِ.
وَفِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا الْمُقِرُّ فَيُسْأَلُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يُسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ جَمَاعَةً، ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْجَمِيعِ، وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ الْمَالَ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ هَرَبَ، فَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ لَا يُتَّبَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ هَرَبَ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا قَطْعَ بِنُكُولٍ وَإِقْرَارِ مَوْلًى عَلَى عَبْدِهِ بِهَا، وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ، وَلَوْ قَضَى بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ، أَوْ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا قَطْعَ كَمَا لَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِهَا فِي حَقِّهِمَا.
(وَإِنْ كَانُوا) أَيْ: السُّرَّاقُ (جَمْعًا) أَيْ: مِمَّا فَوْقَ الْوَاحِدِ (وَأَصَابَ كُلًّا مِنْهُمْ قَدْرَ نِصَابٍ) أَيْ: نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٌ (قُطِعُوا) أَيْ: قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَ كُلِّهِمْ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَوَلَّى الْأَخْذَ بَعْضُهُمْ) لِوُجُودِ الْأَخْذِ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى فَإِنَّهُمْ مُعَاوِنُونَ فَلَوْ امْتَنَعَ الْحَدُّ بِمِثْلِهِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوا إنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي الدَّرْءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ غَيْرُ الْآخِذِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وُضِعَتْ فِي دُخُولِهِمْ الْحِرْزَ كُلُّهُمْ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ دُخُولِ وَاحِدٍ الْبَيْتَ وَتَأَوَّلَ مَنْ هُوَ خَارِجٌ تَدَبَّرْ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ كُلًّا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ قُطِعَ لِكَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ بِمَا إذَا كَانُوا خَرَجُوا مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ بَعْدَهُ فِي فَوْرِهِ، أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ.
(وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ) ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ لَا يَنْبُتُ إلَّا بِبِلَادِ الْهِنْدِ (، وَالْآبِنُوسِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ مَعْرُوفٌ (وَالصَّنْدَلِ)، وَالْعَوْدِ، وَالْعَنْبَرِ، وَالْمِسْكِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ (وَالْفُصُوصِ) بِضَمِّ الْفَاءِ فَصُّ الْخَاتَمِ (الْخُضْرِ) جَمْعُ أَخْضَرَ، وَالتَّقْيِيدُ بِهَا اتِّفَاقِيٌّ (وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ)، وَاللُّؤْلُؤِ، وَاللَّعْلِ، وَالْفَيْرُوزَجِ (وَالْإِنَاءِ، وَالْبَابِ الْمُتَّخِذَيْنِ مِنْ الْخَشَبِ)؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَلَبَتْ عَلَى الْأُصُولِ، وَالْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَابُ فِي الْحِرْزِ وَكَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْجِدَارِ لَا يُقْطَعُ، وَكَذَا بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَلَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْعَدْلِ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ.
(لَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ شَيْءٍ تَافِهٍ) أَيْ: حَقِيرٍ خَسِيسٍ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ (يُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِنَا كَخَشَبٍ) أَيْ: لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالْحَصِيرِ الْخَسِيسَةِ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ الصَّنْعَةُ كَالْحَصِيرِ الْبَغْدَادِيَّةِ، وَالْمِصْرِيَّةِ، والجرجانية يُقْطَعُ فِيهَا (وَحَشِيشٍ) مَمْلُوكٍ فَلَا قَطْعَ بِالْكِلَاءِ الرَّطْبِ بِالطَّرِيقِ أَوْلَى وَاخْتُلِفَ فِي الْقَطْعِ بِأَخْذِ الْوَسْمَةِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ) سَوَاءٌ كَانَ طَرِيًّا، أَوْ مَالِحًا (وَطَيْرٍ) مُطْلَقًا حَتَّى الْبَطِّ، وَالدَّجَاجِ، وَالْحَمَامِ لَكِنْ اسْتَثْنَى فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الطَّيْرِ الدَّجَاجَ (وَزِرْنِيخٍ) وَنَظَّرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَخْذِ الزِّرْنِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُصَانُ فِي الدَّكَاكِينِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمَغَرَةٍ) بِالْفَتَحَاتِ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، وَكَذَا بِزُجَاجٍ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ (وَنَوْرَةٍ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ لِكُلِّ مَالٍ لَوْ بَلَغَ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا إلَّا فِي التُّرَابِ، وَالسِّرْقِينِ، وَالْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ (وَلَا) يُقْطَعُ أَيْضًا (بِمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَلَبَنٍ وَلَحْمٍ)، وَلَوْ كَانَ قَدِيدًا مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لِلْأَكْلِ كَالْخُبْزِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَالْحِنْطَةِ، وَالسُّكَّرِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ إجْمَاعًا فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ، وَأَمَّا فِيهَا فَلَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ عَنْ ضَرُورَةٍ وَجُوعٍ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ) فَدَخَلَ فِيهَا الْعِنَبُ، وَالرُّطَبُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ يَبْقَى مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ فَلَا قَطْعَ بِمَا لَا يَبْقَى وَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالْعَسَلِ، وَالْخَلِّ إجْمَاعًا كَلَامٌ؛ لِأَنَّ النَّاطِفِيَّ نَقَلَ عَنْ الْمُجَرَّدِ عَدَمَ الْقَطْعِ فِي الْخَلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً فَحِينَئِذٍ لَا إجْمَاعَ تَأَمَّلْ.
(وَبِطِّيخٍ) أَيْ: لَا يَفْسُدُ سَرِيعًا مِنْهُ كَالْقَدِيدِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَفْسُدُ مِنْهُ فَدَاخِلٌ فِي الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيُّ فَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْفَاكِهَةِ تَأَمَّلْ.
(وَكَذَا ثَمَرٍ) أَيْ: لَا بِفَاكِهَةٍ يَابِسَةٍ (عَلَى الشَّجَرِ) كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْحِرْزِ قُطِعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ فَمَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ عَلَى هَذَا قَالَ كَانَ هَذَا مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ لَكِنْ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ تَأَمَّلْ.
(وَزَرْعٍ لَمْ يَحْصُدْ)، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَائِطٌ، أَوْ حَافِظٌ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ الْكَامِلِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حُصِدَ وَوُضِعَ فِي الْحَظِيرَةِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْرَزًا (وَلَا) يُقْطَعُ (بِمَا يُتَأَوَّلُ فِيهِ الْإِنْكَارُ) يَعْنِي يَقُولُ أَخَذْته لِنَهْيِ الْمُنْكَرِ (كَأَشْرِبَةٍ مُطْرِبَةٍ) أَيْ: مُسْكِرَةٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ مُطْرِبَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُطْرِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حُلْوًا فَهُوَ مِمَّا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا، فَإِنْ كَانَ خَمْرًا فَلَا قِيمَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَقَوُّمِهَا اخْتِلَافٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ؛ لِأَنَّهُ مَا زَالَ مُتَقَوِّمًا إجْمَاعًا (وَآلَاتِ لَهْوٍ كَدُفٍّ وَطَبْلٍ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّبْلِ لِلْغُزَاةِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاحِيَّتِهِ لِلَّهْوِ صَارَتْ شُبْهَةٌ (وَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ) لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلَفًا وَعِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ ضَمِنَهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ أَخْذَهُ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَصَلِيبٍ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ)؛ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ أَخْذِهَا الْكَسْرُ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا يُثْبِتُ شُبْهَةَ إبَاحَةِ الْكَسْرِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَإِنْ فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ لِوُجُودِ النِّصَابِ، وَالْحِرْزِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ عَامٌّ لَا يُخَصَّصُ غَيْرُ الْحِرْزِ، وَهُوَ الْمُسْقِطُ.
(وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ بَابِ مَسْجِدٍ) مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ إنْ اعْتَادَ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ.
وَفِي الْبَحْرِ لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ حَصِيرِهِ وَقَنَادِيلِهِ، وَكَذَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً لِعَدَمِ الْمَالِكِ (وَكُتُبِ عِلْمٍ وَمُصْحَفٍ)؛ لِأَنَّ آخِذَهَا يَتَأَوَّلُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ، أَوْ النَّظَرِ لِإِزَالَةِ الْأَشْكَالِ (وَصَبِيٍّ حُرٍّ، وَلَوْ) كَانَ (عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمُصْحَفِ (حِلْيَةٌ) مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ قَدْرُ النِّصَابِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَاغَدَ، وَالْجِلْدَ، وَالْحِلْيَةَ تَبَعٌ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ فَوْقَ النِّصَابِ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ تَبَعٌ لَهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تُقْطَعُ إذَا بَلَغَ الْحِلْيَةُ نِصَابًا؛ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ، وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَوْ سَرَقَ إنَاءَ ذَهَبٍ فِيهِ نَبِيذٌ، أَوْ ثَرِيدٌ، أَوْ كَلْبًا عَلَيْهِ قِلَادَةُ فِضَّةٍ لَا يُقْطَعُ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
تَدَبَّرْ.
(وَ) لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (عَبْدٍ كَبِيرٍ)، أَوْ صَغِيرٍ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ وَخِدَاعٌ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِلنَّائِمِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْأَعْمَى (وَدَفْتَرٍ) الْمُرَادُ مِنْ الدَّفْتَرِ صَحِيفَةٌ فِيهَا كِتَابَةٌ مِنْ مُصْحَفٍ، أَوْ تَفْسِيرٍ أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ فِقْهٍ، أَوْ عُلُومٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَدَفْتَرٍ لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ وَكُتُبِ عِلْمٍ تَدَبَّرْ.
(بِخِلَافِ) سَرِقَةِ الْعَبْدِ (الصَّغِيرِ) أَيْ: لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَعْقِلُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَبِيرِ (وَدَفْتَرِ الْحِسَابِ)؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَوَاغِدَ.
وَفِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا الدَّفَاتِرُ الَّتِي فِي الدِّيوَانِ الْمَعْمُولِ بِهَا، فَالْمَقْصُودُ عِلْمُ مَا فِيهَا فَلَا قَطْعَ، وَأَمَّا دَفْتَرُ عِلْمِ الْحِسَابِ، وَالْهَنْدَسَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالْكُتُبِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي كُلِّ الدَّفَاتِرِ بِلَا فَرْقٍ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا.
(وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ كَلْبٍ) وَنَمِرٍ (وَفَهْدٍ)؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ (وَلَا) يُقْطَعُ (بِخِيَانَةٍ)، وَهِيَ الْأَخْذُ مِمَّا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ لِقُصُورِ الْحِرْزِ (وَنَهْبٍ) أَيْ: غَارَةٍ لِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ عَلَانِيَةً (وَاخْتِلَاسٍ)، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْيَدِ بِسُرْعَةٍ جَهْرًا.
(وَكَذَا نَبْشٌ) أَيْ: لَا يُقْطَعُ بِأَخْذِ الْكَفَنِ عَنْ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْكَفَنُ مَسْنُونًا، أَوْ زَائِدًا، أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ الَّذِي نَبَشَهُ وَسَرَقَ مِنْهُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ غَيْرَ الْكَفَنِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ مَالًا آخَرَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَيُقْطَعُ بِالْكَفَنِ الْمَسْنُونِ، أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي الصَّحْرَاءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ»، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي»، وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ لِمَنْ اعْتَادَهُ فَيَقْطَعُهُ الْإِمَامُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا.
(وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ مَالِ عَامَّةٍ) كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ (أَوْ) مَالٍ (مُشْتَرَكٍ)؛ لِأَنَّ لِلسَّارِقِ فِيهِ حَقًّا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً (أَوْ مِثْلَ دَيْنِهِ) مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ حُكْمًا (أَوْ أَزْيَدَ) عَلَى دَيْنِهِ لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا بِمِقْدَارِ حَقِّهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي الزَّائِدِ (حَالًّا كَانَ، أَوْ مُؤَجَّلًا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ، وَالتَّأْجِيلُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ فِي الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ) مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ بِأَنْ كَانَ (نَقْدًا فَسَرَقَ عَرْضًا قُطِعَ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَخَذْته رَهْنًا بِدَيْنِي فَلَا قَطْعَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ، أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ آنِفًا.
(وَإِنْ كَانَ) دَيْنُهُ (دَنَانِيرَ فَسَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَا يُقْطَعُ)، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَجْوَدَ، أَوْ أَرْدَأَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَقِيلَ يُقْطَعُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ (وَلَا بِمَا قَطْعَ فِيهِ) مَرَّةً (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ: إذَا سَرَقَ مَالًا فَقُطِعَ فَرَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ ثَانِيًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَسْرُوقُ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ مُبَيَّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَسْرُوقُ (قَدْ تَغَيَّرَ) عِنْدَ أَخْذِهِ ثَانِيًا (قُطِعَ ثَانِيًا) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ الرَّدِّ، ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ حُكْمًا عِنْدَ مَشَايِخِنَا وَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ لَا يُقْطَعُ (كَغَزْلٍ نُسِخَ) أَيْ لَوْ سَرَقَ الْغَزْلَ فَقُطِعَ وَرُدَّ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ وَسَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالتَّغْيِيرِ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَتَّى تَبَدَّلَ اسْمُهُ وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْنٍ فَرُدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَأَحْدَثَ فِيهِ صَنْعَةً لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَفِي الْفَتْحِ لَوْ سَرَقَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً وَقُطِعَ بِهِ وَرُدَّ فَجَعَلَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ آنِيَةً، أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا.

.فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ:

(هُوَ) أَيْ: الْحِرْزُ (قِسْمَانِ) حِرْزٌ (بِمَكَانٍ)، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ (كَبَيْتٍ، وَلَوْ بِلَا بَابٍ، أَوْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ)؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِبَقَاءِ يَدِهِ قَبْلَهُ.
وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا فِي النَّهَارِ فَسَرَقَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ، وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ، وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ انْتِشَارِ النَّاسِ قُطِعَ (وَكَصُنْدُوقٍ) وَغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَيُحَافَظُ كَمَنْ هُوَ عِنْدَ مَالِهِ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (نَائِمًا)؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ. كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ نَائِمٍ إذَا جَعَلَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ جَنْبِهِ أَمَّا إذَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ فَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِحْرَازُ الْمُعْتَادُ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا فَإِنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ النَّائِمَ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُودَعَ، وَالْمُسْتَعِيرَ لَا يَضْمَنُ مِثْلَهُ وَهُمَا يَضْمَنَانِ بِالتَّضْيِيعِ وَمَا لَا يَكُونُ مُحْرَزًا يَكُونُ مُضَيَّعًا.
وَفِي الْبَحْرِ لَا قَطْعَ فِي الْمَوَاشِي فِي الرَّعْيِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا الرَّاعِي، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا سِوَى الرَّاعِي مَنْ يَحْفَظُهُمَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتُوا بِهَذَا (وَفِي الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ) فَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ لَكِنْ مَالِكُهُ يَحْفَظُهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَيَكُونُ الْمَالُ مُخْتَفِيًا بِهِ، وَالِاخْتِفَاءُ لَا يُوجَدُ فِي الْحَافِظِ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا وَهَذَا فَرْعًا فَلَا اعْتِبَارَ لِلْفَرْعِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ.
(وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالٍ مَنْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ وَلَاءٍ) بِالْإِجْمَاعِ لِجَرَيَانِ الِانْبِسَاطِ بَيْنَهُمْ بِالِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ، وَالدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ (وَلَا بِسَرِقَةٍ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) مِنْهُ كَالْأَخَوَيْنِ، وَالْعَمَّيْنِ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَالَ غَيْرِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ شَرْعًا فِي الدُّخُولِ حِرْزَهُمْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
(وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ) أَيْ: مَالِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ) أَيْ: بَيْتِ الْأَجْنَبِيِّ لِوُجُودِ الْحِرْزِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْطَعَ فِي الْوِلَادِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ (وَكَذَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةٍ مِنْ بَيْتِ مُحَرَّمٍ رَضَاعًا) لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ؛ وَلِهَذَا قَالَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأُمِّ)، وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِلَا اسْتِئْذَانٍ عَادَةً بِخِلَافِ أُخْتِهِ رَضَاعًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ فِي مَنْعِ الْقَطْعِ بِلَا قَرَابَةٍ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالزِّنَى، أَوْ بِالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالرَّضَاعُ لَا يُشْتَهَى عَادَةً فَلَا يُسْقِطُهُ إعَادَةٌ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ كَمَا مَرَّ مِرَارًا.
(وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ زَوْجَتِهِ، أَوْ زَوْجِهَا) لِانْبِسَاطٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً.
(وَلَوْ مِنْ حِرْزٍ خَاصٍّ) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي حِرْزِ الْآخِرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ بَيْتِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَعِنْدَ الْمُرَافَعَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ أَخَذَتْ هِيَ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَانِعَةٌ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(وَكَذَا) لَا يُقْطَعُ (لَوْ سَرَقَ) عَبْدٌ (مِنْ سَيِّدِهِ)، أَوْ سَيِّدَتِهِ (أَوْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ، أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً (أَوْ) سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ (مُكَاتَبِهِ)؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ اكْتِسَابِهِ حَقًّا، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ سَيِّدِهِ (أَوْ) سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ (خَتَنِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (أَوْ صِهْرِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ، وَالسُّكُونِ هُوَ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا)، وَلِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (فِيهِمَا) لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي الْمَالِ، وَالْحِرْزِ وَلَهُ أَنَّ بَيْنَ الْأَخْتَانِ، وَالْأَصْهَارِ مُبَاسَطَةٌ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ مَنَازِلَ الْبَعْضِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ (أَوْ) سَرَقَ (مِنْ مَغْنَمٍ)؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَخْذَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُعَسْكَرِ، فَالْمَغْنَمُ دَاخِلٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ) سَرَقَ مِنْ (حَمَّامٍ نَهَارًا، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ رَبُّهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (عِنْدَهُ) الْمُرَادُ وَقْتَ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ حَتَّى لَوْ أَذِنَ بِالدُّخُولِ لَيْلًا لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَافِظٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالْإِذْنِ؛ وَلِذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْهُ، وَفِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ بِالدُّخُولِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ تَحْتِ رَجُلٍ فِي الْحَمَّامِ يُقْطَعُ (أَوْ) سَرَقَ (مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ، وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهُ لَيْلًا فَيُقْطَعُ إلَّا إذَا اُعْتِيدَ الدُّخُولُ فِيهِ بَعْضَ اللَّيْلِ هَذَا فِي الْمَفْتُوحَةِ، وَفِي الْمُغْلَقَةِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ بِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ بِالدُّخُولِ فَدَخَلَ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ وَسَرَقَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَكُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِلْأَنْوَاعِ كُلِّهَا عَلَى الْمَذْهَبِ (أَوْ) سَرَقَ الضَّيْفُ مِنْ (مُضِيفِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَضَافَهُ فِيهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا، وَهُوَ مُقْفَلٌ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ جَمِيعِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَبِالْإِذْنِ فِي الدَّارِ اخْتَلَّ الْحِرْزُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مَوْضِعٍ أُنْزِلَ فِيهِ لَا يُقْطَعُ.
وَفِي غَيْرِهِ يُقْطَعُ (وَقُطِعَ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ لَيْلًا) هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ أُذِنَ بِالدُّخُولِ لَيْلًا لَا يُقْطَعُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (أَوْ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (عِنْدَهُ)، وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ (أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ، أَوْ جَيْبِهِ) أَمَّا الصُّنْدُوقُ فَحِرْزٌ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْكُمُّ، وَالْجَيْبُ فَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ فَيُقْطَعُ إذَا أَخَذَ قَدْرَ النِّصَابِ (أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا) بِضَمِّ الْجِيمِ (فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ) أَيْ: صَاحِبُهُ (يَحْفَظُهُ، أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْجُوَالِقِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ، وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ، أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهُ حِفْظٌ لَهُ عَادَةً فَيُقْطَعُ.
(أَوْ سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْبَيْتِ الْمُسْتَأْجَرِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لَا يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مَالَ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْبَيْتِ الْمُسْتَأْجَرِ عِنْدَهُمَا.
قَيَّدَ بِالْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ فِي بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ اتِّفَاقًا.
(وَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَا يُقْطَعُ)؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ قَائِمَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ.
قَيَّدَ بِالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً وَفِيهَا مَقَاصِيرُ أَيْ: حُجَرُ وَمَنَازِلُ، وَفِي كُلِّ مَقْصُورَةٍ مَكَانٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَهْلُهُ عَنْ انْتِفَاعٍ بِصَحْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ السِّكَّةِ فَيَكُونُ إخْرَاجُهُ كَإِخْرَاجِهِ إلَى السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِيهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ فَيُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ إلَى صَحْنِهَا (أَوْ سَرَقَ بَعْضَ أَهْلِ حُجَرِ) جَمْعُ حُجْرَةٍ (دَارٍ مِنْ حُجْرَةٍ أُخْرَى فِيهَا) أَيْ: فِي الدَّارِ بِأَنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فِيهَا حُجُرَاتٌ يَسْكُنُ فِي كُلٍّ مِنْهَا إنْسَانٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا غَيْرُهُ لَا كَالدَّارِ الَّتِي صَاحِبُهَا وَاحِدٌ وَبُيُوتُهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِهِ وَخُدَّامِهِ وَبَيْنَهُمْ انْبِسَاطٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ.
وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْبُيُوتِ إذَا كَانَ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَاكِنٌ لَا يُقْطَعُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ تَدَبَّرْ.
(أَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ فَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ) يُقْطَعُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ.
وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْطَعُ مُطْلَقًا (أَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ) أَيْ: الْحِمَارَ (مِنْ الْحِرْزِ)؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسَوْقِهِ.
قَيَّدَ بِالسَّوْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ تُقْطَعْ، وَالْمُرَادُ مُتَسَبِّبًا فِي إخْرَاجِهِ فَشَمِلَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي نَهْرٍ فِي الدَّارِ وَكَانَ الْمَاءُ ضَعِيفًا وَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يُضَافُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَقِيلَ يُقْطَعْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِهِ.
(وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا فَأَخَذَ) شَيْئًا (وَنَاوَلَ) أَيْ: أَعْطَى (مَنْ هُوَ خَارِجٌ) مِنْ الْبَيْتِ (لَا يُقْطَعَانِ)؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ، وَالْإِخْرَاجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْهُمَا.
(وَكَذَا) لَا يُقْطَعَانِ (لَوْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَ) أَيْ: أَخَذَهُ مِنْ الدَّاخِلِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ الدَّاخِلُ) فَقَطْ (فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى وَيَقْطَعَانِ فِي) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) وَفِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْخَارِجُ أَدْخَلَ يَدَهُ حَتَّى نَاوَلَهُ الْآخَرُ الْمَتَاعَ، فَالْقَطْعُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ أَخْرَجَ يَدَهُ مَعَ الْمَتَاعِ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ الْخَارِجُ يُقْطَعُ الدَّاخِلُ لَا الْخَارِجُ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَمَّ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَصَارَ الْمَالُ مُخْرَجًا بِفِعْلِهِ أَوْ بِمُعَاوَنَتِهِ فَيُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ فَإِمَّا الْخَارِجُ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ إخْرَاجُ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ، وَلَكِنْ الْآخَرُ أَخْرَجَ يَدَهُ إلَيْهِ فَإِنَّمَا أَخَذَ هُوَ مَتَاعًا غَيْرَ مُحْرَزٍ فَلَا يُقْطَعُ انْتَهَى.
لَكِنْ بَقِيَتْ هَاهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُهُمَا فِي الْبَيْتِ وَيَأْخُذَ شَيْئًا ثُمَّ يُنَاوِلَهُ مَنْ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فِيهِ أَيُقْطَعَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ أَمْ لَا فَعَلَى هَذَا أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ وَافِيَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَأَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ تَدَبَّرْ.
(وَكَذَا لَا يُقْطَعُ لَوْ نَقَبَ بَيْتًا وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ تُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْحِرْزِ (أَوْ طَرَّ) أَيْ شَقَّ (صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمِّ غَيْرِهِ خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(وَإِنْ حَلَّهَا) أَيْ: الصُّرَّةَ (وَأَخَذَ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ تُقْطَعُ اتِّفَاقًا) هَذَا مُجْمَلٌ وَتَفْصِيلُهُ، وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ وَأَخَذَ الدَّرَاهِمَ لَمْ تُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ وَطَرَّهَا وَأَخَذَهَا قُطِعَ؛ لِأَنَّ الرِّبَاطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ، وَالرِّبَاطُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ هَتْكُ الْحِرْزِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ مِنْ الْكُمِّ، وَلَوْ حَلَّ الرِّبَاطَ تُقْطَعُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَبْقَى فِي الْكُمِّ بَعْدَ حَلِّ الرِّبَاطِ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ الْحِرْزِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ الرِّبَاطَ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ فَلَمْ يُوجَدْ إخْرَاجُ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَلَا يُقْطَعُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ إمَّا بِالْكُمِّ، أَوْ بِصَاحِبِهِ قُلْنَا الْمَرْءُ يُعَدُّ مَالُهُ مَحْفُوظًا بِكُمِّهِ، أَوْ جَيْبِهِ وَقَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ إنْ كَانَ مَاشِيًا أَوْ الِاسْتِرَاحَةُ إنْ كَانَ جَالِسًا لَا حِفْظُ مَالِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْحِرْزِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ وَيُعَبِّرُ بِعَنْ مَكَانَ قَوْلِهِ خِلَافًا كَمَا مَرَّ مِرَارًا تَأَمَّلْ.
(وَلَوْ سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ) بِالْكَسْرِ أَيْ: مِنْ الْإِبِلِ الْمَقْطُورَةِ الْمُقَرَّبِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ (جَمَلًا) أَيْ: بَعِيرًا؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ مِنْ الْإِبِلِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ؛ فَلِهَذَا فَسَّرْنَاهُ بِبَعِيرٍ تَدَبَّرْ.
(أَوْ حِمْلًا) بِالْحَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ جُوَالِقًا مَمْلُوءًا مِنْ الْمَتَاعِ وَاقِعًا عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِطَارٍ (لَا يُقْطَعُ)، وَإِنْ وُجِدَ السَّائِقُ، أَوْ الْقَائِدُ، أَوْ الرَّاكِبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعُ الْمَسَافَةِ أَوْ نَاقِلُ مَتَاعٍ لَا حَافِظٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِيهِمَا.
(وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا قُطِعَ)؛ لِأَنَّ الْجُوَالِقَ حِرْزٌ (وَالْفُسْطَاطُ كَالْبَيْتِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.
وَفِي الْفَتْحِ لَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ إحْرَازِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْفُسْطَاطُ غَيْرَ مَنْصُوبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَلْفُوفٌ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ، أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ قُطِعَ إنْ أَضَافَهُ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا بِالسَّرِقَةِ، وَإِنْ نَوَّنَهُ لَا تُقْطَعُ لِكَوْنِهِ عِدَةً لَا إقْرَارًا.

.فَصَلِّ (كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ):

وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَإِثْبَاتِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْفَصْلِ، بَلْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَذِكْرُهُ هُنَا مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ.
(تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) أَمَّا الْقَطْعُ فَبِالنَّصِّ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا وَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْيَمِينَ، وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ (مِنْ زَنْدِهِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ لَهُ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالتَّوَاتُرِ وَلَا يُبَالَى فِيهِ بِكُفْرِ النَّافِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ، أَوْ ضَعْفِ دِينِهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَتُحْسَمُ) أَيْ تُغْمَسُ فِي الدُّهْنِ الْمَغْلِيِّ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُتَوَسَّطَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَأَجْرُ الدُّهْنِ عَلَى السَّارِقِ كَأَجْرِ الْحَدَّادِ وَمُقِيمِ الْحَدِّ.
(وَ) تُقْطَعُ (رِجْلُهُ الْيُسْرَى) مِنْ الْكَعْبِ وَتُحْسَمُ (إنْ عَادَ) إلَى السَّرِقَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى مَوْجُودَةً، وَإِنْ كَانَتْ ذَاهِبَةً، أَوْ مَقْطُوعَةً قَطَعَ الرِّجْلَ الْيُسْرَى، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا)، أَوْ رَابِعًا (لَا تُقْطَعُ) الْيَدُ الْيُسْرَى، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى عِنْدَنَا (بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَمُدَّةُ التَّوْبَةِ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَقِيلَ إلَى أَنْ يَظْهَرَ سِيمَاءُ الصَّالِحِينَ فِي وَجْهِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْطَعُ فِي الثَّالِثِ يَدَهُ الْيُسْرَى.
وَفِي الرَّابِعِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَلَنَا الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ أَنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا وَبِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ أَيْ غَلَبَهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَبَانَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَبَلَغَهُمْ، وَلَوْ بَلَغَهُمْ لَاحْتَجُّوا بِهِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى السِّيَاسَةِ، أَوْ النَّسْخِ.
(وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ)؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا حَتَّى لَا يُقْطَعَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهَبَهُ الْمَسْرُوقَ هَذَا إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَطْعَ، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا كَمَا فِي الشَّرْحِ الْمَجْمَعِ (، وَلَوْ) كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ (مُودَعًا، أَوْ غَاصِبًا، أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا، أَوْ مُشَارِبًا، أَوْ مُسْتَبْضِعًا، أَوْ قَابِضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) أَيْ: بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أَوْ مُرْتَهِنًا) وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ كَالْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْوَكِيلِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الِاسْتِرْدَادِ لَهُمْ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمْ الْحِفْظُ دُونَ الْخُصُومَةِ (وَيُقْطَعُ) أَيْضًا (بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَيْضًا فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ)، أَوْ الْمُودَعُ، أَوْ الْغَاصِبُ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ.
وَفِي الْفَتْحِ، وَالصَّحِيحِ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي رَدِّهَا تَأَمَّلْ.
(لَا) يُقْطَعُ (بِطَلَبِ السَّارِقِ، أَوْ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقْت مِنْ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ) يَعْنِي إذَا سَرَقَ رَجُلٌ شَيْئًا فَقُطِعَ بِهِ وَبَقِيَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ وَسَرَقَهُ مِنْ السَّارِقِ سَارِقٌ آخَرُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبُهُ لِلْقَطْعِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِحَاجَتِهِ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ لِلْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ، بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سُرِقَتْ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السَّارِقِ الْأَوَّلِ (قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَ دَرْءِ الْحَدِّ بِشُبْهَةٍ) فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَدَمَ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ لَا يُقْطَعُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ طَلَبَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ هُوَ بِهَا) أَيْ: بِالسَّرِقَةِ (وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ) أَيْ: حُضُورِ الطَّالِبِ (عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالْقَطْعِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ أَقَرَّ بَعْدَمَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَطْعِ.
(وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، أَوْ إبْهَامُهَا) أَيْ: إبْهَامُ يَدِهِ الْيُسْرَى (مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ، أَوْ أُصْبُعَانِ سِوَى الْإِبْهَامِ كَذَلِكَ) أَيْ: مَقْطُوعَيْنِ، أَوْ شَلَّاءَ (لَا يُقْطَعُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السَّارِقِ (شَيْءٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا وَقِوَامُ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أُصْبُعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ، أَوْ أَشَلَّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ، أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ (بَلْ يُحْبَسُ) إلَى أَنْ يَتُوبَ (وَكَذَا) لَا تُقْطَعُ يَدُهُ (لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ) وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِلَّا فَلَا (وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ بِقَطْعِ الْيُمْنَى لَوْ قَطَعَ الْيُسْرَى) عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ تَعَمَّدَ)؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ حَتَّى إذَا قَالَ أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِالْأَمْرِ وَإِذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِالْقَطْعِ كَالْأَمْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْحَاكِمُ وَقَالَ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيُمْنَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا فَعَلَى طَرِيقَةِ أَنَّهُ وَقَعَ حَدًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ لَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ وَعَلَى طَرِيقَةِ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
(وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ لَا يُقْطَعُ)؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ كَمَا مَرَّ فَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي قُطِعَ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ، وَأَمَّا إذَا رَدَّهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا وَأَطْلَقَ فِي الرَّدِّ فَشَمِلَ الرَّدَّ حَقِيقَةً، وَالرَّدَّ حُكْمًا كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا كَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ وَوَالِدَتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِ الْمَالِكِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ إلَى عِيَالِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَمِنْ الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ الرَّدُّ إلَى فَرْعِهِ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِرَدٍّ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ.
وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا وَمِنْهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ رَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَكَذَا) لَا تُقْطَعُ (لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ قَبْلَ الْقَطْعِ) بَعْدَ الْقَضَاءِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ وَلَنَا وَإِنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ فِي بَلَدٍ، أَوْ بَلَدَيْنِ حَتَّى إذَا سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فِي بَلَدٍ وَأَخَذَ فِي آخَرَ فِيهِ الْقِيمَةُ أَنْقَصُ لَمْ تُقْطَعْ وَقَيَّدَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ أَمَّا بِنُقْصَانِ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (أَوْ مَلَكَهُ) أَيْ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ (بَعْدَ الْقَضَاءِ) بِهِبَةٍ مَعَ الْقَبْضِ، أَوْ بَيْعٍ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ السَّابِقَةَ، وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِهَا لَا يَبْطُلُ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ سَقَطَ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ.
(أَوْ ادَّعَى) السَّارِقُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَسْرُوقَ (مِلْكُهُ) أَيْ: مِلْكُ السَّارِقِ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا قَطْعَ عِنْدَنَا.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَثْبُتْ)؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ فَتُحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إجْمَاعًا وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى اللِّصَّ الظَّرِيفَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَا يَعْجِزُ السَّارِقُ عَنْ هَذَا وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُ السَّارِقِينَ) يَعْنِي إذَا كَانَ السَّارِقُ اثْنَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ لَمْ يُقْطَعَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ كَذَا فَأَنْكَرَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ.
(وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشُهِدَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: شَهِدَ اثْنَانِ (عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) أَيْ: الْحَاضِرُ وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تُقْطَعُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الْغَائِبِ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَبِدَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ؛ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ دَعْوَى الشُّبْهَةِ مِنْ الْغَائِبِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ.
(وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَرُدَّتْ) إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (وَكَذَا الْمَحْجُورُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ وَلَا تُرَدُّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُقْطَعُ وَلَا تُرَدُّ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا، وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ، أَوْ هَالِكٌ، وَالْمَوْلَى مُصَدِّقٌ، أَوْ مُكَذِّبٌ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ الْمَالِ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ، أَوْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَالْمَالُ هَالِكٌ تُقْطَعُ وَلَمْ يَضْمَنْ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ أَوْ صَدَّقَهُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ تُقْطَعُ عِنْدَهُمْ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ الْمَوْلَى الْمَالُ مَالِي قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْطَعُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُقْطَعُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَقَالَ زُفَرَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لَا وَدَلِيلُهُمْ مُبَيَّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُرَاجَعْ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيلَ الثَّلَاثَةَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ.
(وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ) أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ مَوْجُودَةً (رَدَّهَا) إلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهَا، أَوْ بَاعَهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اسْتَهْلَكَهَا) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» قَوْلُهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إشَارَةٌ إلَى رَدّ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ.
وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ تُقْطَعْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ تُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجْتَمِعُ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قُطِعَ السَّارِقُ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ.
(وَإِنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ بِكُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ السَّرِقَاتِ يَعْنِي مَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَابِهَا وَادَّعَى حَقَّهُ فَأَثْبَتَ فَقُطِعَ فِيهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَضْمَنُ مَا) مَوْصُولَةٌ (لَمْ يُقْطَعْ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعُ وَاحِدٍ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا فَخَاصَمَهُ فِي بَعْضِهَا فَقُطِعَ لِنِصَابٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرُوا وَقُطِعَ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا.
(وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ)، وَهُوَ يُسَاوِي بَعْدَ الشَّقِّ نِصَابًا (ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُقْطَعُ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ وَفِي الْيَسِيرِ تُقْطَعُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَتَرْكِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَصَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ عَدَمَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَطْعِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الضَّمَانَ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ، بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ، وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا، ثُمَّ شَقَّهُ وَانْتَقَصَ قِيمَتَهُ بِالشِّقِّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَيَّدْنَا، وَهُوَ يُسَاوِي بَعْدَ الشَّقِّ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَقَّ فِي الدَّارِ وَانْتَقَصَ قِيمَتَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَقَيَّدْنَا مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّقُّ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ وَتَرْكُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فَلَا قَطْعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ تَأَمَّلْ.
(لَا) يُقْطَعُ (إنْ سَرَقَ شَاةً) فِي الدَّارِ (فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا)، وَإِنْ بَلَغَ لَحْمُهَا نِصَابًا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ.
(وَلَوْ ضَرَبَ الْمَسْرُوقَ) مِنْ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ قَدْرُ النِّصَابِ (دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ: الدَّرَاهِمَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَرُدُّهَا) بِنَاءً عَلَى الصَّنْعَةِ مِنْهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ يَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَ النَّقْدَ آنِيَةً أَوْ غَيْرَهَا.
قَيَّدَ بِالنَّقْدِ مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْحَدِيدَ، وَالرَّصَاصَ أَوَانِي، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا فَهُوَ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ.
(وَلَوْ صَبَغَهُ) أَيْ: الثَّوْبَ الْمَسْرُوقَ (أَحْمَرَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ: الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ (وَلَا يَضْمَنُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانَ لَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَلَفْظُ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الصَّبْغِ عَنْ الْقَطْعِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقَطَعَ يَدَهُ، وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ لَيْسَتْ عَلَى مَا نَقَلَهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فِيهِ، ثُمَّ صَبَغَهُ أَحْمَرَ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ صُورَتُهَا مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَكُونَ نَقْلًا لِمَآلِ مَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ وَمُحَصِّلِهَا بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ أَلَا تَرَى؛ وَلِذَا طَيُّ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعَ مِنْ الْبَيِّنِ لِيُشْعِرَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ تَأَمَّلْ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ) الثَّوْبُ (وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ) فِيهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ أَصْلٌ، وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَصَارَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى لِزَوَالِ التَّقَوُّمِ بِالْقَطْعِ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقُّ بِالتَّرَجُّحِ.
(وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أُخِذَ مِنْهُ) الثَّوْبُ (وَلَا يُعْطَى شَيْئًا وَحَكَمَا) عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي الْمُثَنَّى (فِيهِ) أَيْ: فِي الْأَسْوَدِ (كَحُكْمِهِمَا فِي الْأَحْمَرِ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أُخِذَ مِنْهُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ يَعْنِي عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ وَحَكَمَا كَحُكْمِهِمَا فِي الْأَحْمَرِ كَلَامٌ تَأَمَّلْ.